المتابع: بعد عدة نقاشات وانتظار لرأي الشيخ محمد سالم المجلسي؛ من عدد كبير من متابعي صفحته على الفيسبوك كتب الشيخ المجلسي مبينا لموقفه من ما يدور وما لحقه من تهم بما يسمى ” الإرهاب” النص التالي بعنوان :العهد الذِّهني الفاسد..
لا ريب أنَّه لا تستقيم منفعة مع الفوضى, ولا يُذاق لثمرة حلوة طعم في ظلِّ الخوف, فالأمن منتجع النُّفوس, ومورد الآمال, ولم تَزَل مزاياه تَعبق حتَّى صار قولُهم: “أطيب من الأمن” مثلا سائرا..
وكلُّ داع إلى الخير يرجو أن تبقى البلاد واحة أمن وروضة سلام ، يتمكَّن فيها من تبليغ دَعوته فيُحسن عرضَها بأرقى أسلوب والدِّفاعَ عنها بأبلغ حجة.
ولا سبيل إلى أمن شامل وارف الظلال إلا في فضاء العدل القائم على الشريعة وأحكامها، فأهل ذلك “لهم الأمنُ وهم مهتَدون” وذلك أمر لا يَلوي عليه أغلبُ الناس اليوم.
من عُهِدت منه تلك الحقيقة لن يَرتاح بالُه لمن يسأله: ما موقفُك ممَّا يُذهب الأمن على الأنفس والأعراض والأموال..أترضاه أم تُنكره؟
إنه ليس مجرد سؤال معلوم الجواب وفيه شُحنة من سُوء الظَّن ، وإنما هو سؤال نابع من عهدٍ ذِهنيٍ فاسد، لا يزول بذكرِ خِلافِه، وإنَّما تُثبت الإجابة عليه موقفا جديدا للمُجيب عند السائل، فيراه كان مع التخويف والإفساد بالأمس ومع الأمن والإصلاح اليوم.
لقد اعتُقلت أكثرَ من عشر مرات -ناهيكم عما فيها من انتهاكات ومآسٍ وأحزان – بلغ بعضُها نحوَ شهرين عند شرطة أمن الدولة ،وحقَّقت معي في بعضها بعض المخابرات الأجنبية، وقد أحلت إلى السِّجن ثلاث مرات .
برأتني المحكمة في المرة الأولى سنة 2007.
ثم اعتُقلت في آخر أيام سنة 2007, وحُوكمت بعد أكثر من سَنتَين ، فحُكِم عليَّ بثلاثة أعوام، وطعنت في الحُكم وقُبِل الاستئناف ، وتحوَّل الملف إلى محكمة الاستئناف.
وقبل انتهاء مدة سجني بأسابيع صدر عفو رئاسي في سبتمبر 2010 عن خمسة وثلاثين سجينا وكنت فيهم , وذلك بعد الحوار الذي سبق ذلك بأشهر.
لقد رفضت المشاركة في ذلك الحوار ، ولم أوقِّع على أيِّ عهد بالتخلِّي عن العُنف وحملِ السلاح، لكنَّ ذلك حمل الإعلام وضحاياه على تصوّر خطير عنِّي ، واستصحبَ أهلُه عهدا ذِهنيا فاسِدا ، فقالوا إني لا أريد المناصحة والمسالمة وإنما أروم المناطحة المصادمة.
والحقيقة أنَّ ذلك الحوار كان يحمل ذلك العَهدَ الذِّهنيَّ الفاسد، فجعل أهلَ الحوار طَرَفَي مانعة خُلُو ، إمَّا راجع عن حمل السلاح وجماعاته، ، وإما غير راجع..فوجدت في قَبول ذلك الحوار اعترافا ضِمنيا بحمل السلاح والانضمام إلى جماعاته، فاعتزلته -رغم أهمية الحوار وضرورته- بينما فُسِّر ذلك بعدُ تحت ظلال العهد الذِّهني الفاسد.
ثم سُجنت في المرة الثالثة بعد أكثر من سنة..ثم برأتني المحكمة في يوليو 2012 .
مسيرتي في المحاكمات لم يَثبت علي فيها حكمٌ بالإدانة..وإنما بدأت بالبراءة وانتهت بالبراءة. رغم مرافعاتي المطالبة بتحكيم الشريعة ،والمنتقدة لفساد الدولة وقوانينها الوضعية، والداعية إلى التوحيد والسنة، ومع ذلك بقِيَ ذلك العهد الذهني مستَصحَبا.
إنَّ هذا مسلكٌ جائر, ومسيرة عَرجاءُ في وادي جَذبات لا يرضاها مَن رام الاعتدال, وفي العدل كلُّ العَوَض من الجَور, وليس في الجَور عوضٌ من العَدل..وجدير بمن ضَرَّس الدَّهرَ ووعظته المصارع وجاس الظٌّلم خلال دياره وهذَّبته دفاتر الأيَّام أن يَرجُوَ موتَ جَورِه وزوالَ بُعده عن الإنصاف , كما رَجا لصبابته مَن قال:
وَقد كنت أَرْجُو أَن تَمُوت صَبابَتي..
إِذا قَدُمت أَيَّامُها وعُهودُها.
أهل العهد الذهني الفاسد يُصوِّرون أني أروم الاعتداء إذا سلكت سبيل الاقتداء..فيقلِبون الحقائق في دقائق, ويعصرون الغِلظة من الرَّقائق, ويرسمون صورة مُفزعةً مصبوغةً بألوان الفظاظة والتَّشدُّد والتخلُّف والتكفير بغير حق لا تحتاج إلى عنوان يُوجِّه الناظر فيها.
وكم رُميتُ بسبَبهم بتلك الأوصاف, وكم أفصحت عن ذلك صفحات كثير منهم مُستبدلةً الجَورَ بالإنصاف !؟ كما رمتني المواقع ووسائل الإعلام بالدَّواهي، ولا أنسى مجلَّة السِّراج الشَّهرية التي رمتني قبل أعوام بثالثة الأثافي حين قالت -بغير علم-إنِّي أكفِّر المجتمع, ورسمَت منِّي صورةً تَقطر دَما, وتَشتعل غلُوًّا وعُنفا وجَهالة, وقد كنت يَومَها في السِّجن مُثقَلا كاهلي بالإهانات والتُّهم, وقد كان بعض ذلك غيثا, وربَّ عجلةٍ تَحمل رَيثا, فقد حملتني كثيرا على البيان, ودَعَت أُناسا إلى التَّأنِّي والتَّثبُّت متأمِّلين قول المولى: (فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قومًا بِجهالة فَتُصبِحوا على مَا فَعَلتُم نَادِمِين) فوجَدوا بَرق التَّهويل خُلَّبا.
صحيح أنَّ عندي كثيرا مما يُسمِّيه كثير من الناس اليومَ غُلوا وتكفيرا وتشدُّدا لكنه منشور على هذه الصَّفحة، ينتظر من المخالِف له المحاور بعِلم هَدمَ أساطينِه، وإبطالَ سلاطينِه.
والله المستعان.