
حين تتوالى إشارات الثقة من الخارج، لا يعود الحديث عن “رأي داخلي” أو “وجهة نظر رسمية”، بل نتحدث عن تزكية مستقلة تنبع من تقييمات قائمة على معايير صارمة واعتبارات موضوعية بحتة. فالمؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، لا تتأثر بالخطاب السياسي أو المجاملات الدبلوماسية، وإنما تستند في أحكامها إلى الأرقام والمؤشرات، وإلى مدى انسجام السياسات الاقتصادية مع الأهداف التنموية القابلة للتحقيق.
من يتابع الشأن الاقتصادي لموريتانيا يلاحظ أن المراجعة الأخيرة التي قام بها صندوق النقد الدولي للبرنامج الذي يربطنا به، حملت إشادة واضحة بمتانة الأداء الاقتصادي العام وبإرادة الإصلاح المتواصلة. وهذه ليست إشادة عابرة، بل هي نتاج تراكم لخيارات اقتصادية واقعية، وتدابير تنفيذية دقيقة، ومناخ مؤسسي بدأت معالمه تستقر، بفعل التوجيهات الصريحة والواضحة لفخامة رئيس الجمهورية، الذي اختار طريق الهدوء والإصلاح والعمل الصامت بعيدًا عن الضجيج، لكنه طريق يُثمر في صمت.
أما النجاح اللافت للطاولة المستديرة التي نظمت مؤخرًا في فيينا، فقد مثل لحظة فارقة في تعاطي الشركاء مع أولويات التنمية في بلادنا، حيث لم تكن مجرد ملتقى عادي، بل شهادة جماعية من ممولين مرموقين بأن موريتانيا اليوم تمتلك من الجدية، ومن الحوكمة، ومن الجاذبية ما يجعلها محل ثقة وجديرة بالدعم.
ومع كل ذلك، من المهم التأكيد على أن قرارات الممولين لا تُبنى على العواطف، بل تُربط بمدى جدوى المشاريع، وبنضج التخطيط، وبالقدرة على التنفيذ. وهذه الاعتبارات لا يمكن التحايل عليها، كما لا يمكن التأثير عليها بأي وسائل خارجية. ومن يظن غير ذلك، إنما يشكك – من حيث لا يدري – في استقلالية مؤسسات دولية مشهود لها بالانضباط والصرامة في تقييم المشاريع قبل تمويلها.
وبناءً عليه، فإن التزكيات التي حظيت بها بلادنا، سواء من صندوق النقد الدولي أو من المؤسسات المالية العربية والإقليمية والدولية، لا تُمثل فقط دعما ماليا أو التزاما مؤقتا، بل تُعبر عن ثقة راسخة في جدية الإصلاحات التي يتم تنفيذها، وفي نجاعة الرؤية التي يوجهها رئيس الجمهورية، والتي بدأت تعطي ثمارًا تدريجية في مستويات متعددة من الاقتصاد الوطني.
فهل بعد كل ذلك، يبقى مجال للتشكيك في نجاعة هذا المسار ومصداقيته؟ لا أعتقد ذلك. فالمؤشرات تتحدث، والتزكيات تتوالى، والشركاء يراهنون، والنتائج بدأت تترسخ… وهكذا نفهم القيادة حين تُبنى على الرؤية والنتائج.
بقلم: محمد لحظانه
المستشار الفني لوزير التجهيز والنقل، مكلف بالنقل الجوي