تأبين/ رحيل الأمير
الدي ولد إبراهيم..
أمير الصحراء وفارس الديبلوماسية
(لمحات من سيرة حياة)…
جاء الأمير الراحل الدي ولد إبراهيم إلى الدنيا وهو يحمل بين جنبيه عبق قرون من تاريخ المرابطين العريق الذي كان أجداده يمثلونه ويتوارثون أمجاده وسلطاته الأميرية..
ورحل بعد أن أضاف
إلى ذلك التاريخ تاريخا وطنيا حافلا،
فكان رحيله خسارة كبيرة، انطوى فيها سِفر من أسفار تاريخ أمة وحياة رجل لا تكاد الأجيال الناشئة تعرف عنه كثيرا..
ولد الأمير الراحل لأبيه إبراهيم بن الدي بن بكار بن اسويد أحمد،
ولأمه السالمة بنت عبد الرحمن بن بكار سنة 1933
في مقاطعة المجرية..
وتلقى ما يتلقى نظراؤه
من التعليم التقليدي
في الطفولة، كما تلقى دراسته الابتدائية
في تجكجه وكيفه، ودرس في معهد بوتلميت
ثم في إعدادية روصو..
أصبح في سنة 1952 ترجمانا في أطار
ثم في شنقيط في نفس السنة،
وفي تمبدغه في سنة 1954.
وفي 1956 تم تعيينه مديرا لديوان وزير التخطيط والتوسع الاقتصادي بسينت الويس.
ابتعث في 1958
إلى فرنسا رفقة سبعة أطر موريتانيين لتكوينهم بالمدرسة الوطنية الفرنسية لما وراء البحار في الإدارة.
وبعد سنتين ونيف تخرجوا ليصبحوا
أول دفعة إدارية وطنية ستخلف الفرنسيين
في إدارة البلد
بعد الأستقلال.
خلال دراسته في فرنسا أجرى الأمير الدي تكوينا في معهد Institut des Hautes Pyrénées، وكتب خلال دراسته
أول مذكرة تخرج عن العبودية في موريتانيا حملت عنوان:
L’esclavage tel qu’il se présente en Mauritanie (العبودية كما تظهر في موريتانيا)، كما كتب بحث نهاية التدريب حول الطريقة التجانية في موريتانيا.
بعد التخرج تم تعيين الأمير الدي حاكما لآمرج، وإليه يرجع الفضل
في تأسيسها،
ثم حاكما لدائرة (واليا) لإينشيري.
وفي سبتمبر 1961 عين الأمير الدي وزيرا للإعلام والوظيفة العمومية،
وفي أواخر 1962
قدم أستقالته
-وكذلك فعل
صديقه بوياگي
ولد عابدين
-أعتراضا على قرار للرئيس المختار،
فكانا أول من يستقيل من منصبه الوزاري
من الموريتانيين.
وفي سنة 1963 عين الأمير الدي واليا للترارزة، ثم واليا للحوض الغربي في 1964. وفي 1966 تم تعيينه مديرا للتخطيط حيث أسس أول مفتشية عامة للدولة وأصبح مفتشها العام.
بدأ بعد ذلك الأمير الدي مساره الديبلوماسي الحافل حيث عين سفيرا في الجزائر في فترة أزدهار العلاقات
بين البلدين،
ثم سفيرا في السينغال في 1970
في فترة ترسيم الحدود بين موريتانيا والسينغال، معتمدا لدى غامبيا وغينيا والسيراليون وجزر الرأس الأخضر.
ثم سفيرا في تونس التي كانت أخص أصدقاء موريتانيا في ذلك العهد في 1973،
وسفيرا في فرنسا قبيل حرب الصحراء حيث قاد سياسة التعاون العسكري بين البلدين خلال الحرب، ليعود إلى وطنه،
ويعين سفيرا مديرا للشؤون الإدارية بوزارة الخارجية.
بعد انقلاب 1978 عين الأمير الدي سفيرا في إيران حيث واكب ثورة الإمام الخميني،
ثم اختير بعد حركة ابريل 1979 التي قادها ولد بوسيف سفيرا
في المغرب ليحيي
محور
داكار
نواكشوط
الرباط
باريس.
وفي 1981 عاد الدي مجدد ليشغل منصب سفير مدير الشؤون الإدارية والقنصلية،
ثم سفيرا غير معين بوزارة الخارجية
حتى التقاعد..
إلى جانب هذه الوظائف الديبلوماسية الكبيرة انتخب الأمير الدي سنة 1965 نائبا في البرلمان الموريتاني في فترة الحزب الواحد.
وعندما أعلن
عن التعددية الديمقراطية،
أنتخب الأمير الدي 1992 سناتورا
عن الحزب الحاكم،
وظل كذلك
إلى أن أطيح بنظام
ولد الطايع في أنقلاب عسكري في أغسطس 2005.
تفرغ الأمير الدي بعد ذلك لشؤونه وعلاقاته الخاصة التي كانت تتميز بالصدق والفضل والنبل..
فقد كان الأمير الدي متدينا شديد المحافظة على الصلاة والطهارة ، صواما،
حاجا عدة حجج
لبيت الله الحرام.
وكان مع ذلك مثقفا واسع الأطلاع،
خبيرا بالأدب
والفن (أزوان)،
ماهرا بالرماية والتقاليد الحربية التي نشأ
عليها في سلطنة آبائه..
وكانت علاقاته بشخصيات المجتمع الموريتاني البارزة واسعة ومتميزة،
سواء كانت
في جانب الدولة كعلاقاته بالمختار
وولد يحيى انجاي وسليمان ولد الشيخ سيديا
وأحمد ولد محمد صالح،
أو في الجانب الآخر كبوياگي ولد عابدين وحمود ولد أحمدو والأمير محمد فال
ولد عمير وغيرهم،
وقد استطاع الجمع بين صداقاته المختلفة
بفضل ما كان يتمتع
به
من الصراحة والصدق والشجاعة في قول الحق والنزاهة والشهامة..
قيم عرف بها وظل محافظا عليها
-كما عرف بها من عرفته من إخوته وسائر
أهل بيته
-حتى آخر لحظة
في حياته،
رفعه الله تعالى
إلى فردوسه الأعلى..
وألهم تنواجيو ودوعيش
وكل موريتانيا
بعده الصبر والسلوان..
إنا لله وإنا إليه راجعون…
*عن نخبة النخبة*