المتابع: كجميع صباحاتها خلال هذا الشتاء نهضت السبعينية لخويطره بنت أمبارك فجرا وأيقظت عيالها من أبناء وأحفاد للصلاة والتحضير لهموم يوم من أين الفقراء في ريف مقاطعة كنكوصه.
أعدت حساء دافئا من زرع جنته يداها من حقل قريب وتحلقت الأسرة حول شاي سريع فلكل منهم شأن يغنيه ، أطفال سيتوجهون إلى المحظرة الأهلية في عريش مجاور، وآخرون يذهبون إلى مدرسة متردية يجمع فيها معلم وحيد أربعة أقسام في حجرة واحدة ، وبقية العيال تنصرف في مهمات متنوعة للحصول على لقمة العيش في تلك الظروف القاسية.
كانت لخويطره – وهي على وهن بدنها – الدينامو المحرك والعقل المدبر لتلك الأسرة الفقيرة الكبيرة ترتب أشياء في منزلها ، استعدادا للتوجه إلى أداء دورها في تعاونية للخضروات تنتظم فيها نساء حي “أمخيزين” حتى نادي مناد بحريق هائل شب في المراعي شرق القرية فهرع الرجال لإخماده ، وهم يجرون سياطا من أغصان الشجر وبدأوا في ضرب ألسنة اللهب.
ربطت لخويطره عربتها على أثنين من حميرها وعند البئر القريبة ملأت عددا من الحاويات وانطلقت نحو الحريق لسقاية الرجال؛ وهو الدور المحوري في مثل هذه المعارك؛حيث تتصاعد أعمدة الدخان في ذلك الجو الحار فيستشيط الرجال عطشا ،وهم المنكبون في الإخماد بوسائل هي الأكثر تخلفا على وجه الأرض .
أخذت المسكينة الشجاعة توزع مياه الشرب هنا وهناك وتسوق عربتها ميمنة وميسرة لسقاية الناس من أجل الصمود ،وتعالت الأصوات بأن الطرف الغربي للحريق يقترب من أكواخ أهل أحمد؛ وحين كانت لخويطره تتنقل بين أطراف الحريق، وفي غفلة من المشاركين في الإطفاء تجد نفسها فجأة وقد حاصرتها النيران من كافة الجهات ولما أرادت مخرجا بين ألسنة اللهب إذا بثيابها قد اشتعلت و في لحظات سقطت وهي تقاوم دون جدوى حتى أسلمت الروح لباريها وسقط الحمير جثثا متفحمة.
صاحوا بعد فوات الأوان ؛ لخويطره ، لخويطره وحين وجدوا الطريق إليها بعد لأي تبين للأسف أن الأمر انتهى وأن قضاء الله لا مفر منه، إنا لله وإنا إليه راجعون.
ابنتها المشاركة في تطويق الحريق قدمت مسرعة تتلمس مكانا لتقبيل الأم الراحلة غير أن آثار النار لم تسمح بذلك الوداع.
أربكت الوفاة جهود الإطفاء وتجمع الناس حول الجثة الهامدة وفي غضون ساعة كان كل شيء جاهزا لمواراة الشهيدة في مقبرة القرية.
ولدت لخويطرة هناك في يوم من أيام الخمسينات من القرن الماضي ، ولم تغادر هذه المنطقة، فيها تربت ودرجت، وفيها عاشت مزارعة حتى ماتت في ذلك اليوم المشهود شهيدة تمنح الحياة للآخرين .
ماتت عن عيال عريض من الأبناء والأحفاء ، من البنات المطلقات ومن أيتام وأيامى و ثكالى .
كانت مربية ومغذية وموجهة. كانت أم تمنح الحب والحنان وتصنع الحساء الدافئ والكسكس من حب زرعته بأيديها؛ حافظت عليه بنهراتها حتى تبعد الطير والحيوان، وحين خزتنه في الكوخ وتفرغت لمهات جديدة يأتي القدر بما لم يخطر على بال أي من أهلها ، هم مؤمنون بأن كل نفس ذائقة الموت لكن وفاة الأم في الحريق وهو توزع ماء الحياة لم يكن شيئا في الحسبان.
بعد يوم من العمل المضني وتدخل بعض عناصر الحرس وعمال البيئة وانضمام قرويين مجاورين للجهود تم التغلب على الحريق قبيل صلاة المغرب بع أن التهم ساحة رعوية كبيرة وقضى على نفس بشرية.
المأتم عند أسرة لخويطره كان كبيرا، والخطب كان جللا، توافد أهالي قرية أمخيزين وما جاورها يعزون ويواسون وفي اليوم التالي قدم حاكم مقاطعة كنكوصه فعزي الأسرة المكلومة.
وحين سألت وكالة كيفه للأنباء التي زارت القرية يوم ال 14 من الشهر الجاري ذوي الشهيدة المحتاجين لكل شيء عما قدمته السلطة الموريتانية أجابوا أنهم لم يتلقوا غير الكلمات الطيبة من ذلك الحاكم.
فارقت الأم لخويطره الحياة شهيدة تدفع ألسنة النار عن بقية سكان القرية تزامنا من استشهاد ثلاثة من قوات أمننا دفاعا عن الوطن ضد الإرهابيين.فمتى تصحح السلطة خطأها فتكرم ذوي الشهيدة لخويطره في ذلك الريف البعيد، المنهك بالعزلة والعطش والجوع والهوان على الحكومة كما كرمت حماة الوطن؟
رحم الله الأم لخويطره وأنزلها منازل الشهداء و الصالحين و ارْزَقَ أهلنا في ذلك المنكب المنكوب القيادة الصالحة القادرة على إنقاذه من الوضع المزري إلى حياة أفضل.
المصدر: وكالة كيفة