عندما جدد الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، من منصة “مدائن التراث” في شنقيط، تأكيده أن “التحول المجتمعي خيار استراتيجي لا رجعة فيه”، فإنه لم يكن مجرد شعار يُرفع أو خطاب يُلقى في مناسبة ثقافية؛ بل كان إعلانًا عن رؤية عميقة لمستقبل المجتمع الموريتاني، تتجاوز الحاضر إلى صياغة مسار جديد يقوم على إصلاح البنى الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية.
التحول المجتمعي: معنى وأبعاد
“التحول المجتمعي” ليس مجرد مفهوم أكاديمي أو تعبير تقني، بل هو دعوة إلى التغيير الشامل الذي يمس كل نواحي الحياة. إنه يتطلب تجاوز الأطر التقليدية التي تقيد المجتمع، مثل البنية القبلية، الاستقطابات الضيقة، والانقسامات الطبقية. يعني التحول المجتمعي إعادة النظر في أسس العدالة الاجتماعية، وتمكين الفئات المهمشة، وبناء اقتصاد وطني مستقل يحترم الخصوصية الثقافية، ويضمن استدامة الموارد.
ما يجعل هذا الخيار استراتيجيًا، هو إدراك القيادة أن التحول لم يعد رفاهية أو خيارًا يمكن تأجيله. فمع تزايد التحديات الإقليمية والدولية – مثل تأثيرات التغير المناخي، الأزمات الاقتصادية العالمية، وانتشار التكنولوجيا الرقمية – لا يمكن لموريتانيا أن تبقى رهينة الأنماط القديمة التي أثبتت عجزها عن مواكبة العصر.
التحديات أمام التحول المجتمعي
لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هنا: هل نحن كمجتمع موريتاني منتبهون لوجوب هذا التحول؟
الحقيقة أن الطريق نحو التحول المجتمعي يواجه عقبات كثيرة. من أبرزها:
1. العقلية التقليدية: التمسك بالعادات القديمة ونمط الحياة القائم على الانتماءات الضيقة يجعل التحول صعبًا.
2. غياب العدالة الاجتماعية: الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، والتمييز على أساس القبيلة أو العرق، يُضعف النسيج الوطني ويقف حجر عثرة أمام أي مشروع تغييري.
3. ضعف البنية التحتية والتعليم: لا يمكن تحقيق التحول دون تعليم قوي وشامل يُمكّن الأجيال الجديدة من امتلاك أدوات المعرفة والابتكار.
4. غياب الوعي السياسي: فالمجتمع الذي لا يعي حقوقه وواجباته لن يكون قادرًا على دعم مشاريع التحول.
واجب المجتمع: دعم الرؤية والتخلص من معوقات الماضي
من الواضح أن دعوة الرئيس للتحول المجتمعي تحمل رؤية جريئة، لكنها لن تتحقق إلا إذا وُجد وعي جمعي يدرك أن التمسك بالماضي بكل سلبياته لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع. يجب على كل مواطن أن يسأل نفسه: هل أنا مستعد للتخلي عن الامتيازات التقليدية التي تعيق تقدمنا كأمة؟ هل أدرك أن مصلحتي الشخصية مرتبطة بتحقيق العدالة والإنصاف لجميع الموريتانيين؟
إذا كان التحول المجتمعي خيارًا استراتيجيًا، فإنه أيضًا ضرورة وجودية. فموريتانيا، بأصالتها الثقافية وتنوعها، تمتلك كل المقومات لتكون نموذجًا في المنطقة. لكن هذا لن يتحقق إلا إذا استجاب الجميع – شعبًا وقيادة – لهذه الدعوة، وانتهوا عن كل ما يتعارض مع التحول من انقسام، وتفرقة، وعجز عن مواجهة التحديات بروح التغيير.
يمكننا القول : إن التحول المجتمعي ليس مجرد رؤية حكومية أو برنامج مرحلي، بل هو عهد بين الدولة والمجتمع لصياغة مستقبل مختلف، أكثر إشراقًا وعدالة. فهل نحن على قدر هذا التحدي؟
محمد سيدأحمد بوبه( كاتب صحفي وباحث في مجال الإعلام والاتصال.