المتابع: قال الوزير الأول محمد بلال مسعود خلال تقديمه الخطوط الرئيسية للسياسة العامة للحكومة اليوم الخميس في جلسة علنية بالجمعية الوطنية تحت رئاسة السيد محمد بمب مكت، رئيس الجمعية الوطنية، إلى انه سيتم تعزيز كافة الآليات القائمة وبذل جهود أكثر لزيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية في التشغيل، وإعطاء اهتمام خاص للاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وتفعيل الصندوق الوطني للتشغيل، وتحسين النفاذ إلى القروض لصالح الشركات المتوسطة والصغيرة، والمشاريع الصغرى من خلال التفعيل السريع لصندوق الضمان.
وفيما يلي النص الكامل للسياسة العامة للحكومة:
سم الله الرحمن الرحيم،
وصلى الله على نبيه الكريم
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
يشرفني أن أقف اليوم أمام جمعيتكم الموقرة لاستعراض إعلان السياسة العامة للحكومة، وذلك عملا بمقتضيات المادة 42 (جديدة) من الدستور.
واسمحوا لي بانتهاز هذه الفرصة لأعرب لكم عن خالص التهاني للثقة التي منحكم إياها الشعب الموريتاني بانتخابكم نوابا له، وألتمس تعاونكم الإيجابي مع الحكومة خدمة للمصالح العليا للبلد.
ويأتي إعلان السياسة العامة للحكومة المعروض أمامكم اليوم، إثر الثقة التي منحني فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، يوم 03 يوليو الجاري، لقيادة وتنسيق عمل الحكومة الجديدة.
ويستعرض هذا الإعلان الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة للفترة المتبقية من المأمورية، وذلك على ضوء التقدم الملحوظ الذي حققته البلاد منذ تنصيب فخامة رئيس الجمهورية فاتح اغشت 2019، سواء في مجال الإصلاحات السياسية، أو في مجال تنفيذ البرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية.
وبطبيعة الحال، فإن هذا الخطاب يرتكز في المقام الأول على رؤية رئيس الجمهورية الطموحة التي حددها في برنامجه الانتخابي، وتندرج تحت أربعة محاور كبرى، هي:
1ـ دولة قوية وعصرية، في خدمة المواطن؛
2ـ اقتصاد مَرِن، صامد وصاعد؛
3ـ تثمين رأس المال البشري لتحقيق التنمية المنسجمة؛
4 ـ مجتمع معتز بتنوعه ومتصالح مع ذاته؛
ويرتكز كذلك على توجهات استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك (SCAPP)، بالإضافة إلى توجيهات وأوامر رئيس الجمهورية الرامية إلى تحديد الأولويات ومراعاة التحديات والمخاطر التي طرأت خلال السنوات الأربع المنصرمة.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
لا يمكن تحقيق نفاذ المواطن إلى الخدمات العمومية بكرامة وإنصاف دون دولة قوية وعصرية، تتمسك بقيمنا الإسلامية، وتضمن تنفيذ القوانين والنظم بحزم، وتحترم حقوق الإنسان، وتضمن أمن المواطنين وممتلكاته، وتشجع الحرية الجماعية والإعلامية، في ظل وجود إدارة عصرية تخدم المواطن.
وفي هذا النطاق، ستبذل الحكومة قصارى جهدها في السعي إلى خلق الظروف المناسبة لتعزيز استقلال القضاء، وتيسير نفاذ المواطنين المحتاجين إلى خدمات المرفق القضائي، وتمهين القضاة والرفع من تخصصهم، وإصلاح المنظومة السجنية والجنائية، إضافة إلى حماية حقوق الإنسان ومكافحة الأشكال الحديثة للاسترقاق والاتِّجار بالبشر.
فقد أثمرت الجهود المقام بها خلال السنوات الأربع الماضية، في ما يتعلق بترقية وحماية حقوق الإنسان، عن نتائج معترف بها على المستويين الوطني والدولي. وقد تجسد ذلك في رفع مستوى التصنيف الإيجابي لموريتانيا ضمن جميع التقارير المرجعية في هذا الشأن، وخاصة تقرير مكافحة الاتجار بالبشر، وتقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج رئيس الجمهورية حول الإنصاف والمواطنة واللحمة الوطنية المسمى “خطة إنصاف”، الذي أعد وانطلق تنفيذه السنة الماضية تأسيسا على خطاب رئيس الجمهورية في “وادان”، وتم تحيينه مؤخرا إثر نداء “جَوَل”، سيمكن من تنفيذ إجراءات عملية تهدف إلى ضمان أقصى قدر من العدالة في حصول المواطنين على حقوقهم بكرامة، وتعزيز العمل المدني لدفع جميع الموريتانيين للوفاء بواجباتهم تجاه المجتمع، وتطوير سلوكياتٍ وخطاباتٍ تعزز الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
وعلاوة على ذلك، ستستمر وتتعزز البرامج الموجهة نحو تمكين الفتيات والنساء وحماية حقوقهن، وكذلك الحفاظ على الأسرة وتحسين رفاهيتها.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، ستواصل الحكومة، بتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية، تعزيز حضور ومشاركة بلادنا على المستوى الدولي، والدفاع عن مصالحنا الوطنية، ومساندة القضايا العادلة، بما يساهم في إرساء السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي. وسيستمر التزامنا بتقديم المساعدة المناسبة والدعم المستمر لجالياتنا في الخارج، بهدف تحسين ظروفهم المعيشية وتسهيل النفاذ إلى حقوقهم كمواطنين؛ ويشكل إنشاء قطاع وزاري جديد مخصص لهم خير مثال على ذلك.
ومن جهة أخرى، ستتواصل جهود تطوير القوات المسلحة وقوات الأمن، وتمهينها وتعزيز قدراتها العملياتية، بغية زيادة وسائلها وتنويع تدخلها وتكيُّفها مع التحديات الجديدة المرتبطة بتطور المجتمع وبالسياق الجيوسياسي للبلاد.
وستواصل الحكومة في مجال الشؤون الإسلامية، التزامها الصارم بترقية و نشر تعاليم الإسلام وقيمه السمحة، وتفكيك خطاب التطرف حفاظا على السلم الاجتماعي. وستظلُّ الحكومةُ وَفيةً لِمسْؤوليتِها أمام اللهِ والشعبِ في كل ما يتعلقُ بِحِمايةِ المُقدَّساتِ، والوُقوفِ الصَّارِمِ أمامَ أيِّ إساءةٍ للأمةِ، وبالخصوص في جَنَابِ رسُولِها الكريمِ، عليه أفضل الصلاة والسلام، مُعْتَبِرينَ ذلكَ جُزْءًا لا يتجَزّأُ من حمايةِ كيانِنا وهويتنا الشاملة.
وستحظى المساجد بعناية فائقة من خلال بنائها وصيانتها ومواصلة التكفل بالقائمين عليها. وفي هذا الإطار سيتواصل العمل على مزيد من تقريب الخدمات المقدمة للحجاج. وسيتم تفعيل بيت مال الزكاة الموريتاني. كما سيتم دعم المؤسسة الوطنية للأوقاف حتى تتمكن من المساهمة -بصفة فعالة-في تعزيز التكافل الاجتماعي لصالح الطبقات الهشة.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
يشكل أمن المواطنين وممتلكاتهم أولى أولويات الحكومة، ولن تدخر جهداً في ضمانه ومواجهة التحديات الجديدة المتعلقة بنمو المدن وتغير أساليب ووسائل الجريمة بكل أشكالها. وعلى إثر الأحداث الأخيرة، تم اتخاذ إجراءات حازمة، وستستمر هذه الإجراءات من أجل تعزيز وسائل الأمن الداخلي، واحتواء كافة أنواع الجريمة مهما كان مصدرها.
ولمواجهة المخاطر المترتبة على استعمال المؤثرات العقلية، ستواصل الحكومة اتخاذ الإجراءات الضرورية من أجل منع تعاطي المخدرات بين الشباب من جهة، و السعي للقضاء علي الإدمان وتأثيراته من جهة أخرى.
وعلى الصعيد السياسي، ستواصل الحكومة تعزيز مناخ تهدئة المشهد الذي أسس له فخامة رئيس الجهورية، سبيلا للاستفادة المثلى من كل الخبرات الوطنية والتركيز على الإشكاليات ذات الأولوية. وقد تجسدت هذه الإرادة في التشاور الموسع مع الفاعلين السياسيين، الذي أفضى إلى تنظيم الانتخابات المحلية والتشريعية الأخيرة.
وسيتواصل هذا التوجه تنفيذا لتعهد رئيس الجمهورية بضمان ” حفظ الوحدة الوطنية والكرامة والحرية والمساواة بين كافة المواطنين مهما كلف الثمن”.
وسيتم تعزيز مشاركة المجتمع المدني والصحافة في الاستراتيجيات التنموية، وذلك من خلال منح عناية مستمرة لفضاءات التبادل وبرامج التكوين ووسائل التواصل المناسبة، علاوة على دعم منظمات المجتمع المدني والصحافة بغية تعزيز دورها. وستواصل الحكومة ترقية حق النفاذ إلى المعلومة عن طريق توسيع تغطية الخدمة الإعلامية العمومية للإذاعة والتلفزيون الوطنيين.
ووعيا من الحكومة بأهمية الحكامة المحلية وجدواها، سيتواصل تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للامركزية والتنمية المحلية من خلال تفعيل المجلس الأعلى للامركزية، والمصادقة على إطار جديد للامركزية، ومراجعة الأمر القانوني المتعلق بتنظيم الإدارة الإقليمية ونصوصه التطبيقية وإعادة هيكلة الولايات.
وستكثف الحكومة عمليات تطوير المرفق العمومي من أجل تقريب الإدارة من المواطن. ذلك أنه لم يعد من المقبول، كما قال رئيس الجمهورية، ألا تكون الإدارة أقرب إلى المواطن وأكثر إصغاء له وأسرع في الرد عليه وحل مشاكله، بل “… يجب أن يكون المواطن قادرا على إجراء معاملاته الإدارية بسلاسة ويسر، والحصول على ما يحتاجه من إيضاحات، واستيفاء ما له من حقوق، بكرامة وسرعة، وبحكم كونه مواطنا لا غير”.
وعليه فإن تقريب المرفق العمومي من المواطن سيظل أولوية مطلقة للحكومة. وبالنتيجة، فسيتم تمهين الإدارة، وتوجيه أعمالها صوب الإجراءات التي تضمن المساواة في النفاذ إلى الخدمات واحترام مبادئ الشفافية والحكامة الراشدة، وإعادة الاعتبار لقيم العمل واحترام الجدارة والقانون.
وفي إطار سياسة عصرنة الوظيفة العمومية الوطنية، ستواصل الحكومة تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بالنظام الأساسي لعمال المجموعات الإقليمية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، وبالنظام الأساسي الخاص بأعضاء هيئات الرقابة، وبالنظام الأساسي العام لموظفي الدولة ووكلائها العقدويين، فضلا عن نظام المعاشات على مستوى صندوق التقاعد، ونظام التعاقد في الوظيفة العمومية.
وستشهد التشريعات الاجتماعية بدورها، المصادقة على النصوص التطبيقية لمدونة الشغل، إضافة إلى عصرنة المدونة القانونية لنظام الضمان الاجتماعي.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
تدعونا الدروس المستخلصة من الأزمة الصحية العالمية ومن الحرب في اوكرانيا إلى مزيد من حسن الحكامة الاقتصادية والمالية والنقدية، وبناء اقتصاد مرن، صامد وصاعد.
لذا ستستمر الحكومة في تنفيذ السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تحفيز الانتعاش الاقتصادي، وضمان استقرار أكبرَ على مستوى الاقتصاد الكلي، وذلك من خلال تحسين الإنفاق في مجالات الحماية الاجتماعية والبنية التحتية، وفقًا لاستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك. وستستمر الحكومة في تنفيذ إصلاحات قصيرة الأجل، مرفقةٍ ببرنامج للإصلاحات الهيكلية المتسلسلة والمتدرجة.
وفي مجال المالية العامة، ستركز الإصلاحات على مواصلة عصرنة الإدارة الضريبية وتعزيز تسيير المالية العمومية؛ ويشمل ذلك تحسين تسيير الميزانية وزيادة الإيرادات المحلية، وزيادة كفاءة الإنفاق العمومي. وهكذا ستتم متابعة الإصلاحات التي تهدف إلى منح مزيد من المسؤولية للمسيرين، وتبسيط إجراءات الميزانية، وإدراج مؤشرات لمراقبة تنفيذ قوانين المالية؛ كما تلتزم الحكومة بالحفاظ على سياسة حذرة في ما يتعلق بالمديونية، بما يضمن الاستدامة على المدى الطويل وتعزيز الشفافية في إدارة المديونية.
وستبقى السياسة النقدية حذرة من أجل السيطرة على الضغوطات التضخمية، كما سيتم توطيد وتعزيز استقرار القطاع المالي وتدعيمه.
وتلتزم الحكومة، في مجال محاربة الفساد، بالقيام بعمل مؤسسي فعال يمكن من المحافظة على موارد الدولة ومعاقبة المتورطين في عمليات الفساد طبقا للنصوص المعمول بها. وفي هذا الصدد، سيتم تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، كما سيتم تنفيذ الإصلاحات الرامية إلى تمهين هيئات الرقابة.
وستواصل الحكومة العمل على تذليل العقبات التي تعترض سبيل نهوض اقتصاد منفتح ومتنوع وخلاق لفرص العمل وللقيمة المضافة؛ وفي هذا السياق، ستستمر الحكومة في إرساء بيئة ملائمة لتعزيز الحكامة والشفافية، وتشجيع الاستثمار الخاص، وتحرير المبادرات، واستغلال المقدرات الاقتصادية الوطنية. وستدعم وتواكب ريادة الأعمال من أجل إنجاز مشاريع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في المجالات الرئيسية، وخصوصا في الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد والصناعة والبنى التحتية والطاقة.
وفي مجال الحكامة البيئية، تواجه بلادنا زيادة ملحوظة في تكرار وخطورة الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ. ولتلك الأحداث تأثير كبير على استقرار الاقتصادي ونمو. ونتيجة لذلك، فإنه من الضروري الاستجابة للاحتياجات المعتبرة المتعلقة بالتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها.
لذا سيتم تعزيز التأقلم من خلال إنشاء مزارع جماعية، وتثمين معالجة المنتجات الغابوية غير الخشبية، واستصلاح المناطق الرطبة، وزيادة قدراتنا في مجال تخزين الأغذية. كما سيتم استغلال إمكاناتنا الوطنية من الطاقة النظيفة، من خلال تنفيذ مشاريع ترتكز على الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وستتيح تدابير التخفيف المزمعة إعادة تشجير آلاف الهكتارات وتعزيز التقنيات المبتكرة التي تحترم البيئة.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
في إطار تنويع الاقتصاد، تلتزم الحكومة بالاستفادة القصوى من القطاعات الواعدة مثل الخدمات، والمناجم، والنفط والغاز، والصيد البحري، والزراعة، والتنمية الحيوانية، والصناعة، والتجارة، والصناعة التقليدية، والسياحة.
وفي مجال الاستصلاح الترابي والعمران والإسكان، تلتزم الحكومة بمواصلة تحقيق هدف التنمية المتوازنة لمناطقنا ومدننا، مع تجديد وتحسين إنتاجيتها، وتوفير خدمات حضرية جيدة وعروض سكنية لائقة للسكان.
وستواصل الحكومة العمل على إنشاء مدن ديناميكية تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان، مع التركيز على خلق فرص عمل للشباب. وسيتم إعداد وتعميم المخططات العمرانية على كل مدننا الكبرى، لتعزيز النمو المتناغم للمناطق الحضرية، وحل المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية العقارية. وسيستمر العمل لوضع حد للاستغلال غير القانوني للأراضي وتحسين الظروف المعيشية في ضواحي المدن. وفي ذات الوقت، ستتوالى الجهود المبذولة لحل النزاعات العقارية وضمان حصول الأسر المعنية على سندات ملكية نهائية.
وستتخذ الحكومة التدابير المناسبة لتكييف الآليات التشريعية والتنظيمية مع الاحتياجات الحالية، من خلال مراجعة مدونة العمران، وإنشاء إطار قانوني للملكية المشتركة والاستئجار المشترك، وكذا إنشاء صندوق للإسكان.
وبخصوص قطاعي النفط والمعادن، ستعطي الحكومة الأولوية لزيادة الاستفادة من استغلال مواردهما، وتحسين جاذبية البلاد للاستثمار الأجنبي المباشر فيهما.
أما التعدين الأهلي فقد تم بذل جهود كبيرة من أجل تحسين ظروف حياة العاملين فيه وإطار ممارسة هذا النشاط الذي يلعب دورا جوهريا في امتصاص البطالة، وخاصة في صفوف الشباب. ومع ذلك فقد بدأ هذا النشاط في إثارة مشاكل بيئية وصحية خطيرة في بلادنا، لذا ستتخذ الحكومة التدابير المناسبة لتوعية العاملين في التعدين الأهلي حول المخاطر المرتبطة باستخدام المواد الكيميائية على صحتهم، بالإضافة إلى آثار التلوث وتدهور التربة والنظم البيئية. وسيتم تعزيز الإجراءات الردعية ضد التعدين غير الشرعي والبحث عن حلول مبتكرة للاستغلال والمعالجة التقليدية لمناجم الذهب.
وفي سياق يتسم بإرث ثقيل من حيث نقصُ قدرات التخزين وتقادمها لضمان تزويد البلاد بالمحروقات، سيتم تنفيذ حلول تسمح بسد النقص الملاحظ في تجهيزات تخزين هذه المنتجات من جهة، ومن جهة أخرى، ستواصل الحكومة العمل لتسريع إصلاح وتأمين طرق ووسائل التموين بمنتجات النفط والغاز المنزلي في بلادنا.
أما بخصوص سياسة الصيد، فستتم تعبئة وتثمين الإمكانات المرتبطة بالاقتصاد البحري بشكل أكبر بهدف تطوير أداء اقتصادنا الأزرق. وستواصل الحكومة المحافظة على الثروات وعلى البيئة البحرية والشاطئية والعمل على الاندماج المتزايد للقطاع في الاقتصاد الوطني عن طريق تنمية سلاسل القيم. كما سيتم تطوير وتفعيل البنى التحتية للموانئ، وتشجيع وتنمية النشاطات المرتبطة بها، وبذل جهود أكبر لترقية صيدٍ قاريٍ مستدامٍ يحترم مُقدِّراتنا البيئية.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
يعتبر الاكتفاء الذاتي من الغذاء أولوية مطلقة، بل ومصيرية بالنسبة لبلادنا. ومن أجل تحقيق هذا الهدف سيتم الشروع في مجموعة من الإصلاحات بهدف إعادة صياغة مهام مؤسسات هذا القطاع بشكل أفضل، والرفع من مستوى الاستفادة من مواردها وتعزيز قدراتها على التدخل.
وفي هذا الإطار، ستواصل الحكومة الأنشطة والبرامج التي تم إطلاقها، لا سيما ما يتعلق منها ببناء السدود، وتطوير وتأهيل وصيانة مختلف المناطق والمساحات الزراعية والمحاور المائية على مستوى مختلف ولايات الوطن. وستتواصل الجهود المبذولة في مجال حماية المحاصيل وفك العزلة وكهربة مناطق الإنتاج وتوفير المُدْخلات الزراعية.
وسيتم العمل على تكثيف وتنويع المحاصيل الزراعية من خلال مواكبة وتشجيع الأنشطة المتعلقة بزراعة الخضروات والحبوب والأعلاف، وكذلك تطوير الصناعات الزراعية، التي تعد رافعات أساسية يمكن أن تستجيب للتحديات القائمة في مجال السيادة الغذائية.
أما بخصوص التنمية الحيوانية، فستنصب جهود الحكومة على مضاعفة الإنتاجية والرفع من الإنتاج الحيواني من خلال تعزيز سلاسل القيم، وخلق بيئة مواتية للتطوير المستدام للتنمية الحيوانية، وتحسين نوعية المنتجات المعروضة في السوق عبر مراقبة الجودة والسلامة، وتدعيم الإطار القانوني والمؤسسي مع زيادة مشاركة القطاع الخاص. كل ذلك إلى جانب إعطاء عناية خاصة لشُعَبِ الألبان واللحوم الحمراء والدواجن.
وأما في مجال التجارة، فستواصل الحكومة جهود مراقبة الأسعار وتنظيم السوق بتدخل من مركزية الشراء وتموين السوق، وكذا بإنشاء نظام مناسب للتَّحقُّقِ من مطابقة المنتجات المستوردة، وشباك موحد للتجارة الخارجية؛ كما ستعمل على تأمين التموين المنتظم للسوق بالمواد الغذائية الأساسية، وضمان المنافسة العادلة وفقًا للقانون المنظم لحرية الأسعار والمنافسة.
وستعطي الحكومة اهتماما خاصا لإعادة تنظيم الزراعة الغذائية والمناطق الصناعية، وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للصناعة، وتفعيل الوكالة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، ودعم أنشطة المكتب الوطني للتقييس وترقية الجودة.
ونظرًا لتأثيرها المباشر على التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية، فإن الصناعة التقليدية تكتسي أهمية كبيرة. فهي تمثل وسيلة عيش للكثير من الأشخاص وتختزن إمكانات اقتصادية هائلة. وفي هذا السياق يَتَنَزَّلُ بناءُ مشروع القرية الكبرى للصناعة التقليدية في نواكشوط، الذي يتم تنفيذه حاليًا. وسيتم إطلاق مبادرات خاصة تهدف إلى الدعم المباشر للصناع التقليديين المحليين.
وفي مجال السياحة التي تأثرت بشدة خلال الأعوام الماضية، فستمنح الأولوية لتنويع العرض السياحي بشكل عام وترقيته وتحديثه، بخلق تكامل بين المنتجات المختلفة.
ويعتبر التشغيل من صميم اهتمامات الحكومة، وخاصة تشغيل الشباب. ولهذا الغرض، سيتم تعزيز كافة الآليات القائمة وبذل جهود أكثر لزيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية في التشغيل، وإعطاء اهتمام خاص للاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وتفعيل الصندوق الوطني للتشغيل، وتحسين النفاذ إلى القروض لصالح الشركات المتوسطة والصغيرة، والمشاريع الصغرى من خلال التفعيل السريع لصندوق الضمان.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
لا مِراء في أن تحقيق نموٍّ اقتصادي قويٍّ ومستدامٍ وشامل ، يعتمد على وجود بنية تحتية متطورة في مجالات الطاقة والنقل والمياه والرقمنة، تغطي كافة أرجاء الوطن.
وستتركز جهود الحكومة بالأساس، في مجال الطاقة، على تحسين نفاذ المواطنين والفاعلين الاقتصاديين إلى الكهرباء، من خلال تنفيذ برنامج طموح لكهربة المناطق الريفية في مختلف الولايات، وربط المناطق الاقتصادية الكبرى ببعضها البعض، وبناء محطات إنتاج جديدة لتعزيز وتنويع العرض.
ويشكل تطوير عرضٍ متنوع في مجال النقل أولوية استراتيجية وطنية؛ وفي بلد مترامي الأطراف كبلدنا، سيُمكِّن هذا التطويرُ من ترقية المبادلات وتقليص تكاليف النقل ودعم القدرة التنافسية للاقتصاد. وستواصل الحكومة تنفيذ الإصلاحات والإجراءات الهادفة إلى إعادة تنظيم القطاع وتحديثه، وتطوير وتحسين جودة وسلامة البنية التحتية الطرقية والمطارات والموانئ.
أما على المستوى الحضري، فستسعى الحكومة لتحسين ظروف التنقل في المراكز الحضرية الكبرى، وخاصة في نواكشوط حيث يتم تنفيذ خطة في أفق سنة 2026 لتهيئة المحاور الطرقية الرئيسية وتحديث أسطول النقل الحضري.
إن تنفيذ سياسة مستدامة في مجال تسيير المياه يمثل بالنسبة لنا أولوية مطلقة. وستستند هذه السياسة على استغلال مدروس للمياه السطحية والحفاظ على المياه الجوفية بشكل أفضل لصالح الأجيال المستقبلية. وفي هذا الصدد، ستواصل الحكومة تنفيذ المشاريع الكبرى والبرامج الهيكلية لتوفير المياه لعشرات البلدات في جميع أنحاء البلاد. وستتعزز إجراءات تنقية مياه السطح، وتحلية مياه البحر، وبناء خزانات المياه من أجل تحكمٍ أكبر في الموارد المائية.
وفي مجال الصرف الصحي، ستنصب الجهود على تطوير عرضِ صرفٍ صحيٍّ ملائمٍ في المناطق الحضرية، من خلال بناء شبكات جديدة وتوسيع الشبكات القائمة. وسيتم تعزيز وتوسيع الإنجازات في مجال الصرف الصحي الريفي بهدف الحفاظ على بيئتنا.
ومن أجل الاستفادة من الثورة الرقمية ومضاعفة مردوديتها على اقتصادنا، ستجعل الحكومة من التحول الرقمي رافعة رئيسية لتطوير إدارتنا، وجعل خدماتها أكثر فعالية وأقرب وأيسر للمواطنين. وسيتم لهذا الغرض اعتمادُ وتنفيذ الاستراتيجيات والتدابير المتعلقة بتعميم البنى التحتية والأمن الرقميين، وخدمات الحكومة الإلكترونية، وحماية البيانات الشخصية.
السيد الرئيس، السادة والسيدات النواب
كعامل أساسي للتنمية والنمو الاقتصادي، سنستمر في إعطاء رأس المال البشري اهتماما خاصا. وستتواصل وتتسارع الإجراءات الهادفة إلى تطوير نظامنا التعليمي والصحي على جميع المستويات، لمواكبة التحولات الجارية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وستحظى الفئات الشبابية باهتمام خاص في هذا الإطار.
وفي هذا السياق، سيتم بذل جهود كبيرة لتعزيز وتأطير وتوسيع نطاق التعليم ما قبل المدرسي، لتمكينه من لعب الدور المنوط به في إعداد الأطفال للعيش المشترك، والانتقال بهم إلى التعليم الابتدائي في أفضل الظروف.
وعلى نفس المنوال، ستستمر المحاظر، التي تُعتَبر ركيزة أساسية في النظام التعليمي الوطني ودرعًا منيعا للحفاظ على هويتنا الوطنية الشاملة، في الاستفادة من الدعم اللازم لتعزيز وعصرنة تعاليمها. كما سيستفيد الأميون من فئة الكبار من تطوير معارفَ ومهاراتٍ من شأنها تعزيزُ اندماجهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
ومع دخول القانون التوجيهي للتهذيب الوطني حيز التنفيذ السنة المنصرمة، والذي كان ثمرة لمشاورات واسعة، تلتزم الحكومة بإجراء إصلاحات جذرية في النظام التعليمي الوطني، وستجعل من المدرسة الجمهورية وسيلة للاندماج الاجتماعي والأصالة والتقدم. وسيتم تسريع اتخاذ إجراءات فعالة لنفاذ الجميع إلى نظامِ تعليمٍ ذي جودةٍ في مختلف مستوياته.
وعلى مستوى التعليم الأساسي والثانوي، تهدف سياسة الحكومة إلى ضمان تعليم قاعدي كاملٍ وجيد النوعيةِ لجميع الأطفال؛ وستواصل الحكومة الاكتتاب المكثف للمدرسين، وتعزيز قدراتهم، وتحسين ظروف عملهم. كما ستواصل تشييد البنى التحتية المدرسية في جميع أنحاء الوطن.
وعلى صعيد التكوين المهني، ستتركز الجهود على توسيع العرض وبناء وتأهيل مراكز التكوين المهني والفني، وتطوير البرامج لتتلاءم مع احتياجات الاقتصاد الوطني. هذا فضلا عن تعزيز الارتباط بين القطاع الخاص ومراكز التكوين المهني، للاستجابة بشكل أفضل لطلب سوق العمل.
وفي مجال التعليم العالي، ستواصل الحكومة الجهود الرامية إلى إنشاء شُعَبٍ تعليمية جديدة في مجالات التجارة والتسيير والعلوم السياسية والصحافة والدراسات الصيدلانية، وكذلك إعادة هيكلة بعض المؤسسات القائمة؛ كما سيتم إنشاء جامعات جديدة لاستيعاب الطلاب الحاصلين على الباكالوريا.
كما تولي الحكومة أهمية كبيرة لإصلاح قطاع البحث العلمي لتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وسيشهد القطاع دفعا قوياً من خلال تنشيط هياكل البحث العلمي ومدارس الدكتوراه، بالإضافة إلى تفعيل صندوق البحث العلمي.
أما في مجال الصحة، فستعمل الحكومة، تأسيسا على الجهود الاستثنائية التي بذلت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية في سياق مكافحة وباء كوفيد 19، على تقريب الخدمات الصحية من الفئات السكانية الأكثر هشاشة، وتطوير منظومة صحية حديثة وفعالة وفي متناول جميع المواطنين.
وسيتجلى ذلك في الاستثمار في توسيع نطاق عرض الخدمات الصحية، وتوفير الأدوية الجيدة، وتعزيز قدرات العاملين في المجال الطبي وشبه الطبي، وتحسين ظروف عملهم، والعمل على تعزيز الجهود من اجل وضع نظام تأمين صحي شامل، وتعزيز الأنظمة التشاركية للتأمين الصحي المخصصة للقطاع المصنف وغير المصنف.
وإدراكا منها بأن مستقبل أي بلد مرهون بالمشاركة الفعالة للشباب في جهود البناء الوطني، فستسعى الحكومة إلى تحقيق أقصى استفادة من الطاقات الإبداعية لشبابنا، بوصفهم فاعلين حقيقيين ومَعْقَدَ الأمل.