عندما يتخرج المواطن الموريتاني من كراسي الدراسة الجامعية يأتي مع الآلاف ممن يحلمون بتحقيق فرصة التوظيف والفوز بضربة العمر لتحقيق الأحلام المؤجلة, كان معالي الوزير المختار أجاي حديث التخرج حاصل على شهادة (المتريز) من قسم الإحصاء, مرت سنوات سريعة من جرجرة الأحلام الوردية في عتمة دولة القبيلة والبطالة التي تَلفح وجوهَ الشباب الموريتاني والاحساس الدائم بالنّكد عند رأس كل شهر.
لم تنكسر عزيمة خريج قسم الإحصاء و واصل سعيه الدؤوب إلى الفترة الممتدة ما بين 2000-2002 حين أعلنت وزارة التعليم عن مشروع التهذيب الوطني الممول من الشركاء الخارجيين وهو جزء من استراتيجية أقرها الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع, نجح المختار ولد أجاي في الولوج إلى صفوف طاقم المشروع التربوي المستحدث, مكث في مشروع التهذيب ذلك إلى حين الانقلاب على معاوية, جاءت نبغوها بنت حابه للقطاع تحمل معها فلسفة الصرامة الإدارية و أسطوانة الإصلاح و ذاع صيتها في الفترة الانتقالية الممتدة ما بين 2008-2005 كان المختار جاي يومها شابا يافعًا لون بشرته الداكن يميّزه كالطائر في قلب الغيوم البيضاء, ابتسامته الدائمة وتودده المفرط أكسبه ثقة السيدة الوزيرة فعزت إليه تقارير القطاع كأول اختبار له، تجاوزه بنجاح و صعد إلى أول عتبة نحو تحقيق الحلم تقاريره عن القطاع نالت إعجاب معاليها، رأت فيها الاتقان والاخلاص و التوصيف ثم التنظيم, في ذات الاثناء كان يداوم لدى مكتب للدراسات يملكه صديقه أحمد ولد ملاي أحمد، والكثير من مكاتب الدراسات في موريتانيا تعتبر يافطة سائرة و شائعة الاستخدام تُدر بعوائد مالية مقابل بعض سطور النثر و الاقتباسات من هنا وهناك.
قام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بتشكيل أول حكومة له بعد الانقلاب و منح منصب وزير المالية لأحمد ولد مولاي أحمد وهو والاسم الذي يشترك مع المختار أجاي في مكتب الدراسات, من حسن حظ المختار ولد أجاي أن الرئيس السابق ولد عبد العزيز تقدم بطلب خاص لوزير ماليته ولد ملاي أحمد أن يبحث له عن إطار كفؤ ومهوب قادر على استحداث نظام جمركة لتقويض استفحال التجار الذين كانوا يُشكلون صداع دائم للرئيس مع توفير مصادر تمويل كافية، ما كان من وزير المالية إلا أن رأى زميله وشريك مكتب دراساته الشخصية الأجدر والأكثر قوة لتولي تشريف كهذا.
قدم معالي وزير الاقتصاد أحمد ولد مولاي أحمد بكل سلامة صدر وثقة الشاب المختار ولد أجاي المندفع الباحث بتلهف عن مكانة خاصة في قلب سيّد القصر الرمادي والآمر الناهي في سلطة الدولة الحديثة, أدرك حينها أنها فرصة العمر التي لن تتكرر مطلقًا ,تَكَستَمَ وجاء يخطو بثبات في يوم مشهود إلى مكتب السيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز, إفتتح وزير المالية الكلام بادئا بالثناء و تَزكية المختار و الرئيس منصتا و يَسترق النظر من حين لآخر إلى مدير جبايته الجديد متكئًا على كرسيّه الهزاز في مكتبه الفسيح و المُزيّن برفوف الكتب الاسلامية والعربية و الزركشة والنقوش العصرية المتنوعة.
الرئيس محمد ولد عبد العزيز شديد الفطنة ومراقب دائم لكل شؤون الدولة, كان يدرك صعوبة المهمة وحجم التحديات التي تواجه الحكومة الموريتانية, خصوصا أن المجتمع الدولي غير راض عن الانقلابات العسكرية ويعتبرها انتهاكًا للقانون لذلك استخدموا ورقة الضغط الفعّالة وهي إيقاف جميع وسائل الدعم المالي الخارجي لموريتانيا, مما أجبر الرئيس محمد ولد عبد العزيز على استخدام الجباية الضريبية كبديل حتى ينجح في تمرير الشرعية للمجتمع الدولي الرافض للانقلابات.
قبل الرئيس خوض التحدي وعيّن المختار ولد أجاي على مديرية الضرائب لتبدأ صناعة اسم داهية عصره المختار ولد أجاي, أغلق المختار مكتبه بإحكام وحجز نفسه داخله 20 يوما حتى أسس لنظام ضريبي فريد من نوعه, أحصى كل المؤسسات والشركات الخاصة لم تسلم الطيور المحلقة في أعنان السّماء من جباياته، حقق فوق المتوقع وزاد عليه, أصبح يملك الرقم الشخصي لسيد القصر محمد ولد عبد العزيز وعلى اتصال دائم به, لكن طموح الشاب المهوس بالقيادة الإدارية لم يكن مجرد وظيفة محصل بل كان أبعد من ذلك, بدأ بتحضير إزاحة وزير المالية, فمهد الطريق من خلال توثيق لكل ما يشكل غشًا أو معارضة لقرارات الرئيس من وثائق و مكالمات سرية مسجلة حسب العاملين في القطاع, وكانت بعض التسجيلات الصوتية سببا في إقالة ولد مولاي أحمد من منصبه, بما أن رئيس الجمهورية له خلفية استخباراتية أعجب بهذا الولاء واستحق الشاب العصامي المكافأة, جمع له وزارة المالية والاقتصاد وأهداه كرسيًا على رأسهما لأول مرة وبدأ معالي وزير الاقتصاد الجديد المختار ولد أجاي مهمة جديدة باسم جديد وتحديات أكبر.
فعلا نجح معالي الوزير المختار ولد أجاي في إصلاح النظام الضريبي وانتزاع حقوق الدولة المالية من حلقوم التجار المهيمنين على الأسواق عدد جميع السلع والخدمات وأنهى فوضى التهرب الضريبي، بل كان العقل المدبر والمَخرج الوحيد الذي اعتمدت الدولة الموريتانية عليه في أزمة المحروقات اختراعاته الضريبية لازالت شاهدة على ذلك، فهو صاحب نظام -دعم المحروقات- التي لا تخسر الدولة دولارًا واحدا مهما تغيًّرت أسعار المحروقات دوليا ,تظل الرابح الدائم رغم الصعود والهبوط، أمضى مأمورية كاملة على هرم الاقتصاد والمالية, إلى أن جاء حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لتبدأ حكاية ألف ليلة وليلة المعنونة باسم -ملف الفساد – بعد الكثير من الشد والجذب تمت تبرئته من كل التهم المنسوبة إليه 2022, و تقول عملية الاستقراء أن إتفاقا جرى بينه و المحكمة تحت بند المعلومات و الأسرار مقابل صك البراءة.
بحكم تجربته الطويلة في مجال المنسقية الحزبية إستطاع ولد جاي أن يلبي طلبات حزب الإنصاف الانتخابية في دوائر نواكشوط العصية التي يملك التجربة السياسية في إدارتها، من خلال تياره الحزبي الداعم الدائم لحزب السلطة ومن خلال توليه إدارة المنسقية الحزبية في تجارب انتخابية سابقة، النجاح الباهر في المهام الانتخابية التي وُكلت إليه في الانتخابات الأخيرة وصندوق الأسرار الأسود الذي يملك مفاتيحه مكناه بجدارة من شراء منصب جديد خاص به لأول مرة في تاريخ الجمهورية اسمه مدير ديوان رئيس الجمهورية برتبة وزير وهو المنصب الأقوى حاليًا بعد رئيس الجمهورية.
Sultan Elban