في ذروة الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة بين عامي 2011 و2012، واجهت العديد من الأنظمة العربية تحديات شعبية وسياسية كبيرة أدت إلى سقوط بعضها وإضعاف البعض الآخر. في هذا السياق، برزت موريتانيا كنموذج استثنائي حيث استطاع نظامها أن يبقى صامدًا ومتماسكًا رغم التحديات الداخلية والخارجية.
قوة النظام وتماسك القيادة
شهدت تلك الفترة تعاونًا قويًا بين رفقاء السلاح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني. كان هذا التحالف عاملًا رئيسيًا في تعزيز صلابة النظام أمام موجات الاحتجاج التي طالبت برحيل النظام، بقيادة المعارضة التي حشدت الشارع مستخدمة كافة أدواتها السياسية والإعلامية.
ورغم تعرض النظام لضغوط غير مسبوقة، بما في ذلك الحراك الشعبي الواسع، إلا أن النظام الموريتاني بقيادة محمد ولد عبد العزيز وبدعم من محمد ولد الشيخ الغزواني تمكن من احتواء الأزمة. لعب الغزواني دورًا بارزًا خلال فترة غياب الرئيس عبد العزيز للعلاج إثر إصابته برصاصة في حادثة أطويلة الغامضة، حيث تولى فعليًا إدارة شؤون البلاد في ظرف سياسي حساس للغاية.
المواجهة مع المعارضة
في تلك الفترة، كانت المعارضة الموريتانية بمكوناتها المختلفة أكثر توحدًا مما كانت عليه في أي وقت مضى. حاولت المعارضة استخدام الاحتجاجات الشعبية والضغوط الدولية للتأثير على النظام، مدعومة بحملات إعلامية عبر قنوات دولية وعربية ذات انتشار واسع. ومع ذلك، ظل النظام صلبًا في مواجهة هذه التحديات، ولم يستجب لمطالب المعارضة، مما أظهر مدى تماسك القيادة وفاعلية استراتيجياتها.
إدارة الضغوط الخارجية
إحدى أبرز المحطات التي عكست دهاء النظام كانت استدعاء محمد ولد الشيخ الغزواني لسفراء دول تمتلك وسائل إعلام دولية مؤثرة. استطاع الغزواني إقناعهم بعدم التدخل في الصراع الداخلي بين المعارضة والموالاة، مما حد من تأثير الإعلام الدولي على الداخل الموريتاني. كانت هذه الخطوة دليلًا على قدرة القيادة السياسية على استباق التحركات الدولية وإدارة الأزمات بحنكة.
عوامل الصمود
1. تلاحم القيادة: العلاقة القوية بين ولد عبد العزيز وولد الغزواني كانت الأساس في استقرار النظام، حيث أظهرت القيادة تماسكًا أمام التحديات.
2. السيطرة على المؤسسة العسكرية: بوصفهما من خلفية عسكرية، كان لهما نفوذ قوي داخل الجيش، مما حال دون انقسام المؤسسة العسكرية أو استخدامها كورقة ضغط من المعارضة.
3. إدارة الأزمات بحنكة: تعامل الغزواني مع الضغوط الخارجية بعقلانية ونجح في تحييد تأثير الإعلام الدولي على الوضع الداخلي.
4. قدرة النظام على المناورة: استخدم النظام أدوات سياسية متعددة لاحتواء الشارع، مع الحفاظ على تماسكه الداخلي.
الدروس المستفادة
تظهر قصة النظام الموريتاني خلال أوج الربيع العربي أن القيادة القوية والتماسك الداخلي يلعبان دورًا حاسمًا في مواجهة الأزمات. ورغم الضغوط الهائلة من المعارضة والمجتمع الدولي، استطاع النظام أن يخرج من الأزمة أقوى، مما يعكس قدرة موريتانيا على الحفاظ على استقرارها السياسي في ظل ظروف إقليمية ودولية مضطربة.
ظل النظام الموريتاني في تلك الحقبة نموذجًا للصمود أمام العواصف السياسية، مستفيدًا من قيادته المتماسكة وإدارته الحكيمة للأزمات. ومع أن المشهد السياسي اليوم أكثر تعقيدًا، إلا أن تجربة الربيع العربي أثبتت أن القيادة القوية والعقلانية هي المفتاح لاستقرار الدول، مهما كانت التحديات.