آراء

محمد لحظانه يكتب: محاربة الفساد في موريتانيا من خلال رؤية فخامة رئيس الجمهورية

لم تعد محاربة الفساد في موريتانيا مجرّد مقاربة إجرائية محصورة في الأطر المؤسسية والقانونية، بل تطوّرت، في إطار رؤية رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى تصوّر أوسع وأعمق، يراهن على ترسيخ الوعي المجتمعي بوصفه الركيزة الأكثر رسوخًا لأي إصلاح مستدام. فالقانون، مهما بلغت دقته وصرامته، يظلّ محدود الأثر إذا لم يُسنده وعي عام يستوعب منطق الدولة، ويحترم قراراتها، ويتعامل مع الأحكام والقرارات القضائية باعتبارها تعبيرًا نهائيًا عن سيادة القانون، لا موضوعًا دائمًا للتشكيك أو إعادة التأويل خارج مساطرها القانونية.

ومن هذا المنطلق، يمكن فهم نهج رئيس الجمهورية في محاربة الفساد باعتباره انتقالًا هادئًا من منطق المعالجة الظرفية إلى منطق البناء طويل النفس؛ بناء الثقة، وترسيخ القيم، وتكريس سلوك عام يرى في الانصياع للقانون، واحترام الأحكام القضائية، والالتزام بما يترتّب عنها من آثار، جزءًا لا يتجزأ من ثقافة النزاهة ذاتها، لا نقيضًا لها. فسيادة القانون لا تكتمل بمجرد سنّ النصوص، بل باستبطان احترامها، وبالاحتكام إلى القضاء حين يقول كلمته، لا بمساءلته خارج أطره المشروعة.

غير أن هذا الخيار، بطبيعته المتّزنة والمتدرّجة، يظلّ محتاجًا إلى بيئة مساندة تحافظ على وضوح رسالته وانسجام إيقاعه. وهنا تبرز، بدافع الحرص لا التحفّظ، تساؤلات مشروعة حول طبيعة الخطاب المصاحب لهذا الملف، لا سيما حين يصدر عن جهات ذات حضور وتأثير، سواء كانت منظمات معنية أو منصات إعلامية فاعلة.

فالخشية، في هذا السياق، لا تتعلّق بمبدأ الاهتمام بالموضوع ولا بشرعية المتابعة، بقدر ما ترتبط بإمكانية أن تُفضي بعض الجهود أو الخطابات – من حيث لا تُعلن – إلى التشويش على المقاربة الرئاسية، من خلال التعامل مع القرارات القضائية بوصفها موضع اشتباه دائم، أو تقديمها خارج سياقها القانوني والمؤسسي، بما قد يفتح المجال لتأويلات تُربك الرسالة العامة، أو تُضعف الثقة في القضاء، أو تُسهم في خلق توتّر مجتمعي لا يخدم جوهر المعركة ضد الفساد.

كما لا يمكن إغفال أن بعض المقاربات الخطابية، حين تختزل محاربة الفساد في منطق التشكيك المستمر في الأحكام القضائية، قد تنتهي – من حيث لا تقصد – إلى إحداث شروخ مجتمعية، أو إلى توظيف هذا العنوان الحساس لتحقيق مصالح خصوصية، على حساب المقاربة الوطنية الجامعة التي راهنت على الهدوء، وبناء الثقة، وتماسك المجتمع.

ومن هنا، لا ينصرف هذا التأمّل إلى نفي الأدوار ولا إلى تقييد النقد، بل إلى الدعوة لتمييز دقيق بين النقد المسؤول الذي يُسهم في تحسين الأداء القضائي والمؤسسي، وبين التشكيك الذي يُضعف هيبة الأحكام القضائية ويُربك الإيقاع العام لمسار اختار الاحتكام إلى القانون والقضاء أساسًا له. فالإصلاح لا يتقدّم حين تُقابل كل خطوة قضائية بالريبة، بل حين تُمنح الفرصة لتُفهم وتُقيّم في إطارها القانوني.

وخلاصة القول، إن مقاربة رئيس الجمهورية في محاربة الفساد لا تكتفي بتفعيل النصوص القانونية أو تحريك الملفات، بل تسعى إلى بناء إنسان واعٍ ومجتمع متماسك، يرى في احترام الأحكام والقرارات القضائية شرطًا لفهم الإصلاح لا عائقًا أمامه. وحين يستقر هذا الوعي، تتحوّل محاربة الفساد من ساحة جدل إلى مسار بناء، ومن عنوان صدامي إلى ثقافة وطنية هادئة.

محمد لحظانه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى